البحث التربوي بين النظرية والتطبيق

المؤلفون

عاشور عمر المسماري
جامعة عمر المختار

Synopsis

المقدمة:

من خلال الخبرة الشخصية في مجال البحوث التربوية، والإشراف على بعض الدراسات في هذا المجال، والتدريس على المعلمين في الدورات التدريبية، اتضح أن هناك ثغرة واسعة بين البحث التربوي والتطبيقات الناتجة عنه في الواقع العملي من جهة، وبين النظرية والتطبيق من جهة أخرى(1). وبمعنى أخر، يبدوا أنه في معظم الأحيان أن الباحثين التربويين وأصحاب المهن التربوية (المعلمين والمعلمات على وجه الخصوص) متواجدون في عالمين مختلفين ومتناقضين من الآراء المتعلقة بالنظرية والتطبيق في مجال البحث التربوي، مع أنهما يفترض أن يتشاركا بشكل تفاعلي في عملية الاهتمام بتطوير وتحسين البرامج التربوية بشكل عام والبحث التربوي بشكل خاص.

يبدو أن هذه الثغرة الواسعة الموجودة بين النظرية والتطبيق في مجال البحث التربوي، تعود إلى حد ما إلى عدم قدرة الباحث وأصحاب المهن التربوية على وضع النظرية التربوية القائمة على النتائج البحثية موضع التطبيق في الواقع العملي، ويتضح ذلك من خلال شكاوي المعلمين بأن كل من النظرية التربوية والبحث غير متوافقين مع عمل المعلم في المدارس المختلفة، أو لأنهما بالمجل لا يمكن فهمهما وإدراكهما، والتعامل في الواقع العملي بطريقة واضحة مع النتائج التي يتم استخلاصها من البحث التربوي، وبعبارة أخرى، فإن المعلمين في الغالب قد يكونوا غير مقتنعين بالقيمة الوظيفية للبحث في المجال التطبيقي في المهنة التي يقومون بأدائها، مما يفسر افتقار المعلمين للمعرفة وللأساليب الفنية والتقنية المتعلقة بتحقيق الأغراض العملية لنتائج البحث التربوي. وعلى الجانب الأخر، فإن البحاث عادة ما يعانون من الإحباط نتيجة عدم اهتمام المعلمين بالنظريات التربوية، وبالنتائج التي يتم الوصول إليها عن طريق البحث التربوي وبتطبيقاتها في المجال العملي، وهذا يعني أن ردة فعل المعلمين والمعلمات عادة ما تكون سلبية تجاه المقترحات التي يقدمها البحاث لتطوير العملية التربوية، وذلك لأنهم قد يكونون في موقع لا يمكنهم من خلاله أن يتفهموا بعمق دور هذه المقترحات في تطوير العملية التربوية في داخل الفصول الدراسية.

ومن هذا المنطلق، وعلى ضوء هذا التعارض والتناقض  بين النظرية والتطبيق في مجال البحث التربوي، وبين البحاث والمعلمين الذين يقومون بتطبيق نتائج البحث في الواقع العملي، تطلبت الضرورة تأليف هذا الكتاب كمحاولة للتقليل من هذا التعارض في الآراء بين البحّاث والمعلمين، وفي نفس الوقت فإنه تم تصميم هذا الكتاب بطريقة يمكن أن يستفيد منها المعلمون تحت التدريب، وطلاب الجامعات، وطلاب الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية وخاصة في ميدان التربية. إنه من المهم جداً أن يتفهم من يستفيدون من نتائج البحث أو من تتعلق بهم العملية البحثية المصطلحات الفنية المستخدمة في البحث التربوي، بالإضافة إلى ضرورة تفهمهم للمنهجية واستراتيجية البحث المنظم ليتمكنوا من خلال ذلك من تقييم البحوث المنشودة من هذا المجال، وتطبيق نتائجها بالشكل الصحيح.

إننا نعتقد إلى حد كبير أن الثغرة الموجودة بين النتائج العملية للبحث التربوي وبين ما يمكن إحداثه عن طريقها من تغيير للأفضل في العملية التربوية في داخل الفصول الدراسية، إنما هو نتاج لما يمكن أن يحدثه سوء الفهم للمصطلحات العلمية والفنية التي يتم استخدامها في التعبيرات اللفظية للبحث، أكثر مما هي نتاج للاختلاف في وجهات النظر وفقاً للعمل القائم به كل من البحاث والمعلمين، وذلك يأتي بناء على الحقيقة التي مفادها أن اللغة الفنية التي يتم استخدامها في إعداد التقارير البحثية تمثل عائقاً في عملية إيصال نتائج هذه التقارير بشكل واضح لمن يعنيهم الأمر، أو من تتعلق بهم نتائج هذه البحوث، خاصة وإنه خلال استعراضنا لأدبيات هذا الموضوع تبين بوضوح أن هناك عدد قليل جداً من المراجع أو المصادر المتوافر للمعلمين والتي تزودهم بالإطار المناسب الذي يحتاجونه كمرشد لهم في عملية فهم البحث التربوي.

إن المعلمين والمعلمات يأملون أن يقوم البحث بتزويدهم بالأدوات والوسائل التي يمكن من خلالها وضع الحلول المناسبة للمشاكل المتعلقة بالعملية التربوية والتي تحدث داخل الفصل الدراسي. وفي هذا الإطار يمكن القول بأنه لم تظهر بعد تقنيات يمكن من خلالها حل هذه المشاكل وذلك نظراً لطبيعة وتطور طريقة التدريس نفسها، وفي كل الأحوال، فإنه من المفترض أن يقوم البحث التربوي بتزويد المعلمين والمعلمات بالمبادئ العامة والطرق الفنية والأساليب العلمية التي تمكنهم من التعامل بفعالية مع الكثير من المشاكل المتعلقة بالعملية التربوية في الفصل الدراسي.

إن الإبداع والتطوير في طرق التدريس وفي المقررات الدراسية والمناهج ساهمت بشكل كبير في جعل المعلمين والبحاث والإداريين على وعي كامل بأهمية إجراء الفحص الدقيق لعملية تقييم الإجراءات والأدوات الجديدة المستخدمة في العملية التربوية. إن مضمون هذا الكتاب يحتوي على العديد من المواضع التي يتوقع أن تساعد هذه الفئات التربوية في عملية الفحص الدقيق للتقارير البحثية والمقالات العلمية بهدف الكشف عن نقاط القوة والضعف فيها.

أن الهدف من هذا الكتاب أيضاً لا يقتصر فقط على تشجيع وتحفير المعلمين للقيام بدورهم كمستفيدين من البحث، بل على أن يقوموا بذلك من خلال أنهم من ساهم في إنجاز البحث كنتاج لعملهم وخبرتهم في هذا المجال، وهذا يتطلب المراجعة المستمرة لدور المعلم، ومدى التقدم الذي يحرزه في العملية التربوية، وكذلك محاولته المستمرة للدفع إلى الأمام بالجهود الرامية لتوسيع حدود ونطاق البحث التربوي وذلك بمشاركته الفعالة في القيام به، وعلى ضوء ذلك فإن هذا الكتاب يحمل رسالة هامة تتعلق بتوضيح الدور المهم الذي يجب أن يقوم به البحث في عملية التعليم والتعلم.

لقد حرصنا من خلال مضمون هذا الكتاب على تقديم المؤشرات العامة والإرشادات اللازمة للمبتدئين في مجال البحث التربوي، كما أنه يمكن الاستفادة من هذا الكتاب من قبل طلاب التربية في عملية التخطيط والتنفيذ لبحوثهم، ولهذا نأمل من خلال تقديم هذا الكتاب أن يتم إعطاء الثقة للمعلمين والطلبة للاتجاه نحو تنفيذ البحوث والعمل على توسيع وتعميق معرفتهم في هذا المجال.

إن المواضيع المختلفة الواردة في هذا الكتاب تشدد على فهم عملية إجراء البحث التربوي، واستعراض المناهج البحثية المستخدمة بشكل واسع في ميدان التربية، وكذلك التطرق لأهمية الطرق والأدوات التي يتم استخدامها في عملية إجراء البحث التربوي.

التنزيلات

Published

فبراير 22, 2022

Details about this monograph

doi

10.54172/omup.19